فنّانون عالميّون أمام الامتحان الإسرائيلي

حملة شعبية لمقاطعة الحفلة وتساؤلات كثيرة برسم المستقبل
زيارة فريق الروك البريطاني الشهير إلى تل أبيب قبل أيام، تبدو حالة معزولة، في سياق المقاطعة الثقافيّة المتزايدة للكيان الصهيوني. لكن براين مولكو ورفاقه انتقلوا مباشرة إلى العاصمة اللبنانيّة، حيث تثير حفلتهم المرتقبة الليلة سجالاً حاداً، ودعوات إلى المقاطعة وإدانة هذا التواطؤ الموضوعي مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي

أحمد الزعتري

«كل ما أفعله هنا هو أكل الحمّص»، قال براين مولكو لصحافي إسرائيلي. غَزَل المغنّي الرئيسي في فرقة «بلاسيبو» بالحمّص، و«بطقس تل أبيب الرائع» جاء قبيل حفلة فرقته في تل أبيب السبت الماضي ـــــ أي مباشرةً بعد جريمة «أسطول الحريّة» ـــــ. حاول الصحافي مداعبته قائلاً «من المهم أن تحصل على دعم إسرائيل هذه الأيام»، فردّ مغني الفرقة وعازف الغيتار الشهير ذو الملامح المؤنثة: «أعتقد ذلك… وخصوصاً لمن قرّر ركوب البحر». وها هو مولكو ورفاقه يزورون العاصمة اللبنانيّة لإحياء حفلة في الـ«فوروم دو بيروت» مساء اليوم… رغم كلّ شيء.

لكنّ زيارة فريق الروك البريطاني الشهير إلى تل أبيب تبدو حالة معزولة، إذ تأتي خارج سياق المقاطعة المتزايدة للكيان الصهيوني. الفرقتان البريطانيتان «غوريلاز» و«كلاكسونز»، وزميلتهما الأميركيّة «بيكسز» أعلنت مقاطعة مهرجان PiC.NiC الذي شاركت فيه «بلاسيبو» في تل أبيب، احتجاجاً على الاعتداء على «أسطول الحريّة». الصحافة الإسرائيليّة تلقّفت هذه المواقف وأطلقت حملة مضادة. هكذا وجدت «جيروزاليم بوست» في حفلة «بلاسيبو» فرصة ذهبيّة لتلميع صورة الاحتلال: «لن تتوقّف الموسيقى، اسألوا العشرة آلاف الذين حضروا حفلة بلاسيبو وجوان آرماترايدينغ ليلة السبت».

وكانت المقاطعة الموسيقيّة الغربيّة لإسرائيل قد أثارت سجالات حادة قبل حفلة «بلاسيبو». الشهر الماضي، ألغى الموسيقي البريطاني إلفيس كوستيللو حفلتيه المقرّرتين في تل أبيب (30/ 6 و1/ 7)، مشيراً بوضوح إلى انصياعه لحملات دعته إلى إلغاء حفلته في الدولة العبريّة. «ارتباط اسمك بحفلة مبرمجة سابقاً يمكن أن يحوّل مشاركتك إلى موقف سياسيّ»، قال كوستيللو. وأضاف: «قد تبدو الأمور كأنّني أغنّي من دون الاكتراث لمعاناة الأبرياء». وذكّر بـ«ترهيب الفلسطينيين وإهانتهم بحجة الأمن القومي». وفي وقت سابق، أعلن الموسيقيّ والشاعر الأميركيّ جيل سكوت هيرون من على مسرح «رويال فيستيفال هول» في لندن أنّه «يكره الحرب»، ولهذا سيلغي حفلته التي كانت مقرّرة في إسرائيل في 25 أيار (مايو) الماضي. يأتي موقف «الأب الروحي للراب»على خطّ واحد مع تاريخه السياسي المقاوم. صاحب الأغنية الشهيرة «الثورة لن تبثّ على التلفزيون» من أبرز الناشطين السياسيين الذين ينادون بالقضاء على العنصريّة، وكان من أبرز الأصوات التي ارتفعت ضد نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.

أما الموسيقيّ المكسيكي الشهير كارلوس سنتانا، فقد جاء رضوخه لضغوط هيئات مقاطعة إسرائيل مفاجئاً حتى للعرب. إذ أعلن في شباط (يناير) الماضي إلغاء حفلته التي كان من المقرر إقامتها في يافا مطلع الشهر الحالي. روجر ووترز ذهب إلى أبعد من ذلك. الموسيقي البريطاني الشهير وأحد الأعضاء المؤسسين لفرقة «بينك فلويد»، نقل حفلته من تل أبيب إلى قرية «واحة السلام» المختلطة بين عرب ويهود عام 2006. حينها، زار ووترز مخيّم عايدة، وكتب على جدار الفصل العنصري «اهدموا هذا الجدار»، واصفاً إياه بـ«المقرف». كذلك أعاد ووترز أخيراً غناء We Shall Overcome (سننتصر). هذه الأغنية عُدّت نشيداً لحركات الحقوق المدنيّة في أميركا، بعدما غنّاها الموسيقيّ الأميركي بيت سيغر، وهو من أيقونات الستينيات. يومها، وقف سيغر في وجه اللجنة المكارثيّة التي اتهمته بالشيوعيّة، معلناً موقفه الصريح ضد العنصرية، وحرب فييتنام. أمّا ووترز، فيعيد تقديمها الآن احتجاجاً على حصار غزّة. وقد انتقد الموسيقي الشهير كل الأطراف الذين يمنعون الناشطين الإنسانيين من الدخول إلى القطاع: إسرائيل وأميركا وحتى مصر التي «تحصل على مساعدات أميركيّة بمقدار 2.1 مليار دولار في السنة من ضرائب الأميركيين، وتمنع الناشطين من الدخول إلى غزة»، بحسب قوله.

وقد أدرجت الصحافة الإسرائيليّة تعبيراً جديداً إلى قاموسها وهو «المقاطعة الصامتة». ذلك المصطلح ينطبق مثلاً على بوب ديلان، أحد أهم الموسيقيين الأميركيين، إذ اكتشف الجميع بالمصادفة أنّه ألغى حفلته التي كان مقرراً إقامتها في 27 أيار (مايو) الماضي في إسرائيل. كذلك الأمر مع مواطنه بروس سبرنغستين الذي يرفض تماماً أي اقتراح للغناء هناك. وشككت بعض الصحف الإسرائيلية في حجّة مغني الراب سنوب دوغ الذي برّر إلغاء حفلته في إسرائيل بأسباب «تتعلق بالعقد».

في المقابل، لم تنجح حملات المقاطعة الموسيقيّة في العديد من الحالات، إذ تجاهل أحد مؤسّسي فرقة «البيتلز» بول مكارتني، السنة الماضية، نداءات المقاطعة، ومضى إلى حفلته الإسرائيليّة. كذلك حاول الكندي ليونارد كوهين الالتفاف على مطالبات المقاطعة، وذلك من خلال التبرّع لمؤسسة «ليونارد كوهين للسلام» لمساعدة العائلات الفلسطينية والإسرائيلية «المتضررة من العنف». يومها، اقترح كوهين إقامة حفلة في رام الله، وهو ما رفضته السلطات الفلسطينيّة. وتجري حالياً محاولات حثيثة لإقناع إلتون جون بإلغاء حفلته المقررة في تل أبيب مساء 17 حزيران (يونيو) الحالي، كذلك الأمر بالنسبة إلى مغنية الجاز ديانا كرال التي يأمل العرب أن تقتفي أثر رفيق دربها إلفيس كوستيللو، فتعدل عن الذهاب إلى إسرائيل… علماً بأن حفلتها هناك مبرمجة مباشرة بعد مشاركتها في «مهرجان بيت الدين» (2 آب/ أغسطس).

هذه الجردة السريعة تعطي فكرة عن التطوّر الحاسم الذي شهده الوعي الغربي في السنوات الأخيرة، لجهة التعاطف مع القضايا العربية العادلة، والضغط على إسرائيل في اتجاه وقف سياسة العنف والاستيطان والتمييز العنصري التي قام عليها الكيان الصهيوني منذ عام 1948. أمام حملات المقاطعة المذكورة، فإن الخطاب الرسمي الإسرائيلي وامتداداته الطاغية في الإعلام لم يجد ما يتحدّث عنه سوى «الإرهاب الثقافي»، ومحاولة تشويه صورة المقاطعين. هكذا، سمعنا وزير الثقافة الإسرائيلي ليمور ليفنات يقول: «كوستيللو لا يستحق شرف الغناء في إسرائيل أصلاً».

عدد الاربعاء ٩ حزيران ٢٠١٠ | شارك

Comments are closed.